والظن هنا بمعنى اليقين، أي أنهم أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه..
ولو كان ظنهم غير واقع موقع اليقين، لما كان منهم هذا الندم القاتل، وتلك الحسرة المميتة! - وفى قوله تعالى:«ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» .. نلحظ من العطف بالحرف «ثُمَّ» الذي يفيد التراخي.. أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يمتحنهم بهذا البلاء الذي هم فيه، وأن يدعهم مع هذا الهمّ الذي ركبهم، حتى يكون فى هذا تصفية لنفوسهم وتمكين لتوبتهم- فلم ينزل القرآن بالعفو عنهم وقبول توبتهم إلا بعد مدة قيل إنها بلغت خمسين يوما.. فهذه الخمسون يوما التي قضاها الثلاثة الذين خلّفوا كانت أشبه ببوتقة صهرت فيها نفوسهم، وصفّيت مما كان قد علق بها من خبث ووضر!.
ولو جاءت التوبة عليهم قبل أن يدخلوا فى هذه التجربة ويعيشوا فيها تلك الأيام والليالى، لما وجدوا أنفسهم على تلك الحال التي استقبلوها بها بعد هذا الزمن المتراخى، وبعد تلك التجربة القاسية، التي كشفت عن هذا المعدن الكريم لتلك النفوس الكريمة، ولولا ذلك لحطمتها المحنة وأكلتها نار التجربة.
- وفى قوله تعالى:«ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» إشارة إلى أن التوبة النصوح لا تكون إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى إليها.. وأنه إن لم يوفقهم الله سبحانه إلى هذا الموقف، ويربط على قلوبهم فيه، لم يكن منهم هذا الصبر على البلاء، ولا احتمال هذا المكروه الذي وقعوا فيه.. وهذا هو معنى «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» أي قبلهم الله وتاب عليهم، فكانوا من التائبين.
والتوبة: أصلها من التّوب، والرجوع، يقال تاب إلى الله يتوب: أي رجع عن معصيته إليه.