للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .

الرّهق: علوّ الشيء للشىء، وغلبته له، وتمكنه منه، بعد أن ينهكه ويرهقه.. كالمتسابقين فى الجري مثلا.. يرهق أحدهما الآخر، ويسبقه، بعد أن يجهده ويكدّه! والقتر: الغبار.. وهو هنا كناية عن الشدّة التي تصيب الإنسان، فتظهر آثارها على وجهه، فينطفئ بريقه، ويجفّ ماء الحياة منه..

وتعرض الآية الكريمة، صورة كريمة مشرقة لمن دعوا إلى دار السّلام، وأجابوا دعوة الله، وآمنوا به وبرسله، فكانوا من المحسنين، وكان جزاؤهم إحسانا بإحسان، وزيادة مضاعفة على هذا الإحسان..

وفى التعبير بالحسنى عن الإحسان: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى» ..

إشارة إلى العاقبة، وأنها العاقبة الحسنى.. فهى تدلّ على الإحسان، وعلى زمن الإحسان معا، وأنها فى الدار الآخرة، التي هى دار الجزاء الحق..

كما يقول سبحانه وتعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (٨٣: القصص) .

وكما يقول سبحانه: «أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ» (٢٢- ٢٣: الرعد) .

- وفى قوله تعالى: «وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ» تعريض بالكافرين الذين سينزل بهم هذا البلاء يوم القيامة، فيركب وجوههم الفتر، وتعلوها الذلة والهوان.

وعدم وقوع هذا بالمؤمنين المحسنين ليس جزاء لهم، وإنما هو لازم من لوازم الجزاء الحسن الذي جوزوا به، فحيث كان جزاؤهم الحسنى وزيادة،

<<  <  ج: ص:  >  >>