للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورهبان وكهّان، ومن سحرة وشعراء وخطباء، ومن إنس وجنّ.. ثم ليأتوا- بعد هذا- لا بمثل هذا القرآن كله، ولكن بمثل سورة منه.. ولينظروا فى وجه هذا الذي جاءوا به، وليضعوه، فى مواجهة آيات القرآن الكريم، ثم ليحكموا هم على ما جاءوا به، وهم أهل لهذه الحكومة، وصيارفة معادن الكلام..

فماذا يكون الذي يحكمون به؟ إنه لا شك إدانة لهذا المولود اللقيط الذي جاءوا به، واتّهام له أنه جاء من غير رشدة.. وأنه لن يجرؤ أحد منهم أن ينسبه إليه أو يحمله بين يديه، لو صدق نفسه، واحترم عقله، واحتفظ بماء الحياء فى وجهه! قوله تعالى: «بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» ..

تفضح هذه الآية الكريمة طيش هؤلاء المشركين، وما استولى عليهم من حماقة وجهل.. ذلك أنّهم على غير ما عليه العقلاء، من تثبتهم فى الأمور، وتعقلهم لها، وتفرسهم فى وجوهها قبل أن يحكموا عليها، وقبل أن يأخذوا بها أو يدعوها..

فهؤلاء المشركون، قد استقبلوا القرآن الكريم بالبهت والتكذيب، قبل أن يروه رؤية كاشفة، وقبل أن يستمعوا إليه استماعا واعيا.. «بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ» .. وهذا ضلال مبين، وخسران عظيم، واعتداء على حق العقل فى النظر والتثبت، قبل الرأى والحكم.

وليس المراد بالعلم هنا، هو العلم بالقرآن، والإحاطة بهذا العلم الذي ضمّ عليه، بل هو العلم مطلقا، بأى شىء، ولأى شىء.

وفى هذا مبالغة فى تسفيه القوم، واستسخاف عقولهم.. حيث تغلب

<<  <  ج: ص:  >  >>