النفس مقاما ثابتا، ولا يقع فى القلب موقعا مطمئنّا، إلا إذا تناوله الإنسان بنفسه، ونظر فيه بعينه وقلبه، ووزنه بعقله وإدراكه،.. وهنا يكون الإيمان ويكون اليقين، حيث اهتدى إليه الإنسان بمدركاته، وجاء إليه بمحض إرادته فى غير قهر أو قسر.. أما يد القهر والقسر، فإنها لن تثبّت دينا ولن تقيم يقينا..
إن ذلك أشبه بيد تدفع إلى معدة الإنسان مباشرة طعاما من غير مضغ ولا بلع! إنه طعام لا يفيد منه الجسم أبدا، ولو كان جائعا يطلبه ويشتهيه، بل ربما قتل صاحبه، أو أفسد نظام جسده، ورماه بأكثر من داء..
ولهذا، فقد كان الإسلام صريحا واضحا، بل صارما، فى هذا الموقف..
إنه يحرّم القهر والقسر فى كل شىء، لأنه بغى وعدوان.. فإذا كان فى مجال العقيدة، فهو أكثر من بغى وعدوان إنه عدوان وبغى يصيبان الإنسان فى مقاتله! وفى هذا يقول الله تعالى:«لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ»(٢٥٦: البقرة) ويقول جل شأنه للنبى الكريم: «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»(٩٩: يونس) ..
وهذا هو بعينه ما جاء فى قوله تعالى:«أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ؟» .. «أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ؟» .
تشير الآية الكريمة إلى ما يركب الناس من عناد وضلال، وما يسوقهم إليه هذا الضلال والعناد، من الكفر بالله، والشرود عن الحق الذي جاءهم به رسله.. فإذا أخذهم الله بذنوبهم، فذلك عدل منه سبحانه وتعالى، فهو- سبحانه- إنما أذاقهم طعم ما غرسوا.. فإذا كان هذا الغرس الذي غرسوه