- وفى قوله تعالى:«وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ» إشارة إلى انكشاف أمر هذه الدنيا لأهلها، حين ينفضّ جمعهم فيها، وتنقضى آجالهم، ثم يبعثون من قبورهم، ويحشرون إلى ربّهم.. هنالك يبدو أن ما قطعوه فى دنياهم من عمر، وما ملكوه من سلطان، وما جمعوه من مال ومتاع، لم يكن ذلك كله إلا كأحلام نائم، «كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ.. يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ» يلتقى فيها بعضهم ببعض، ويتحدث بعضهم إلى بعض.. ثم يتفرق جمعهم، وينفضّ مجلسهم..
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
هنالك ينكشف للضالين والمبطلين ما كانوا فيه من باطل وضلال، وما يلقون فى يوم جزائهم هذا من بلاء ونكال..
ولو أنهم كانوا مؤمنين بالله، ويلقاء الله لعملوا ليومهم هذا، ولجعلوا سعيهم قسمة بين دنياهم وآخرتهم.. ولكنهم أعطوا دنياهم كلّ شىء، ولم يجعلوا لآخرتهم أي شىء، فلما جاء اليوم الذي تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرّا، وما عملت من سوء تودّلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا- لما جاء هذا اليوم، لم يجدوا غير الحسرة والندامة، وغير البلاء والعذاب.
هذه الآية- إنباء بالغيب، وإرهاص بالبلاء الذي سيحيط بأهل الشرك والضلال، إنه ليس واقعا بهم فى الآخرة وحسب، بل إنه واقع بهم كذلك فى هذه الدنيا، بما يلقون فيها من ذلّ وخزى على يد المؤمنين، يوم يجىء نصر الله وتغرب دولة الشرك، ويقع المشركون ليد المؤمنين صرعى، أو أسرى.. كما حدث ذلك يوم بدر، وكما حدث يوم الفتح، ويوم حنين..