وهذا الذي سيراه النبي فى حياته مما يقع للمشركين من ذلّة وهوان، أو الذي سيقع لهم من ذلك بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى- هو قليل إلى كثير مما أعدّ لهم فى الآخرة من عذاب وهوان، وأنه إن أفلت بعضهم فى هذه الدنيا، ولم يعجّل له شىء من العقاب فيها، فلن يفلت من العقاب الراصد له يوم القيامة.. «فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ» .. لا يعزب عنه- سبحانه- ممّا عملوا شيئا.. «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» .
(٤٩: الكهف) قوله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» أي أن لكل أمة رسولا منهم، يبعثه الله فيهم، لينذرهم ويبشرهم، ويدلّهم على الطريق إلى الله، وليقيمهم فى حياتهم على صراط مستقيم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ»(٢٤: فاطر) ..
- وفى قوله تعالى:«فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» إشارة إلى أن من رحمة الله بعباده، أن أرسل إليهم الرسل، مبشرين ومنذرين، حتى يقيم على النّاس الحجّة ويأخذ الظالمين منهم بما كسبوا، فإذا بعث فى أمة رسول من الرّسل وبلّغ رسالة ربّه إليهم، فقد وجب عليهم الحساب، وحقّ عليهم الثواب والعقاب.. أما إذا لم يكن هناك رسول ولا رسالة، فلا حساب، ولا عقاب.. وهذا ما يشير إليه قوله تبارك وتعالى:«وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(١٥: الإسراء) .
وهؤلاء المشركون، قد جاءهم رسول من عند الله، وبلّغهم رسالته المرسل بها إليهم من ربّهم.. فهم إذن محاسبون- منذ بلغتهم الرسالة- بما يعملون..
«وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» بل يجزون الجزاء المناسب لما عملوا.. جزاء وفاقا..