للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس نوح وحده هو الذي دعا دعوة الحقّ، وحمل رسالة السماء بالهدى والإيمان إلى عباد الله، بل هناك رسل كثيرون، جاءوا إلى أقوامهم بما جاء به نوح.. يحملون آيات بينات من عند الله، ولكن الناس هم الناس، والقوم هم القوم، «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ» .. فلم يستجيبوا للرسل، ولم يأخذوا بالهدى الذي معهم، ولم يخلوا قلوبهم من الضلال الذي انعقد عليها وسكن فيها.. «كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ» أي نختم عليها، فلا يدخل إليها شعاع من نور الحق، ولا يطلع عليها صبح اليقين.. إنها فى ظلام دامس دائم أبدا.. وفى هذا تهديد لمشركى قريش، إذ هم فى معرض أن يؤخذوا بما أخذ به قوم نوح، فقد طبع الله على قلوبهم مثل ما طبع على قلوب قوم نوح من قبلهم.

- وفى قوله تعالى: «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ» ..

إشارتان:

الإشارة الأولى: أن هؤلاء المكذبين الضالين لم يكونوا ليؤمنوا أبدا، ولو جاءتهم كل آية.. وهذا هو السر فى اختلاف النظم باستعمال فعل المستقبل، ليؤمنوا، وكان ظاهر النظم يقضى بأن يجىء الفعل ماضيا، هكذا: فما آمنوا، ليتّسق مع قوله تعالى «ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ» فما آمنوا أو فلم يؤمنوا.. ولكن جاء النظم القرآنى: «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا» ليدل على عدم توقع الإيمان منهم مستقبلا، ثم ليتسع الفعل المضارع لقبول لام الجحود «ليؤمنوا» .. ليؤكد عدم توقع الإمكان منهم بحال أبدا..

والإشارة الثانية: هى فى قوله تعالى: «بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ» .. فالذى كذبوا به من قبل، هو الإيمان بالله، إذ كانوا قبل أن تأتيهم الرسل منكرين لله، مكذبين بوجوده.. وقد انعقدت قلوبهم على هذا، فلم يكن لدعوة

<<  <  ج: ص:  >  >>