وإبراهيم عليه السلام، ممن أعطى الله كيانه كله، فأسلم له وجوده ظاهرا وباطنا.. فاستحق أن يحمد، ويمجّد.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى بعد ذلك.
«إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب» .
والأوّاه: كثير التأوه والشّكاة إلى الله، من تقصيره فى حقّه، والعجز عن الوفاء ببعض شكره.. وهذا شعور أهل التقوى.. لا يرضيهم من أنفسهم ما يقدمون من طاعات وقربات، وإن اجتهدوا، وبالغوا فى الاجتهاد.. إنهم دائما على شعور بأنهم مقصّرون فى حق الله.
والمنيب: الراجع إلى الله، التائب إليه..
وقد وصف الله سبحانه وتعالى إبراهيم بثلاث صفات:«إن إبراهيم لحليم.. أوّاه.. منيب» .. وهى صفات كلهن الكمال كله، والحسن جميعه..
وحسبه شرفا ورفعة أن يحلّيه ربه بصفة من صفاته سبحانه، وهى صفة «الحليم» تلك الصفة التي تزين الوجود كله، وتجمع الإحسان جميعه، وفى الأثر:
«الحلم سيد الأخلاق» .. فكيف إذا كان من حلم الحليم، الله رب العالمين؟
ولهذا قدّم على الصفات التي أضفاها الله سبحانه على إبراهيم، من التأوّه، والإنابة.
والآية التي جاءت قبل هذه الآية وهى قوله تعالى:«فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ» هى من سياق القصة، وقد جاء قوله تعالى:«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» وصفا كاشفا لإبراهيم، معترضا بين حدثين: تبشيره بالولد، ومجادلته فى قوم لوط.. وذلك ليأخذ كل حدث منهما بنصيبه من إبراهيم، وما اشتمل عليه من خلق كريم..