أي أن هذا الظرف من حياتهم يحوى آيات وعظات.. وهو ظرف يبدأ من قولهم لأبيهم:«يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ» ثم يستمر إلى أن تنتهى القصّة..
وتبدأ القصة، بهذا الحديث الذي يديرونه بينهم، ويأخذون فيه على أبيهم أنه يؤثر عليهم «يوسف» ويختصّه بالمزيد من عطفه وحبّه، هو وأخوه الشقيق له.. فقد كان يوسف وأخ له من أمّ، وكان الإخوة العشرة الآخرون من أمّ.!
فكيف يستأثر هذان الأخوان بحبّ أبيهم دونهم، وهم عصبة، أي جماعة كبيرة، لها شأنها واعتبارها؟ وكيف يفضّل الأب الاثنين على العشرة؟ إن ذلك أمر غير مستساغ، وتقدير غير سليم! وبخاصة فى بيئة بدويّة تعتز بكثرة العدد، وتأخذ مكانها فى مجتمعنا، بما لها من رجال أكثر مما لها من أموال..
هكذا بدا لهم الأمر خارجا على غير مألوف الحياة عندهم، فكان منهم هذا الموقف، الذي انتهى بهم إلى أن يقولوا فى أبيهم:«إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» أي إنّه قد انحرف برأيه فى أبنائه وفى موقفه منهم، عن سواء السبيل، فضلّ ضلالا مبينا..
وقد امتدّ بهم هذا الحديث الذي أداروه بينهم، عن يوسف وأخيه، وإيثار أبيهما لهما بحبّه ورعايته، حتى انتهى بهم ذلك إلى القول بقتل يوسف، أو إلقائه فى أرض بعيدة عنهم، والتطويح به فى مجهل من مجاهلها، حتى يغيب عن وجه أبيه، فلا يراه أبدا، وبهذا يخلو لهم وجه أبيهم، أي يخلص لهم وجهه، فلا يلتفت إلى غيرهم، وهذا كناية عن تعلّق أبيهم بهم، حيث لا يصرفه