أنطقه الله، وقالوا إنه رجل من أهل العلم.. وقالوا، وقالوا! والذي نراه- والله أعلم- أن هذا الشاهد هو العزيز نفسه، وأنه إذ نظر إلى يوسف، فرأى قميصه ممزقا، أدار بينه وبين نفسه حديثا عن هذا القميص:
لم مزّق؟ ومن مزّقه؟ ولم كان ممزقا من خلف لا من أمام؟ وهل لذلك من دلالة؟ .. ثم أسلم نفسه لتفكير عميق، وفى رأسه تدور الأفكار، وتموج الخواطر.. يقلّب الأمر على جميع وجوهه، ويعرضه على كل احتمالاته.. ثم ينتهى به الرأى إلى تلك الحقيقة التي هى فيصل الأمر، ومقطع الرأى:«إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ» .. هذا ما أمسك به العزيز من الخواطر الكثيرة، والآراء المتدافعة التي كانت تتوارد عليه.. وقد أمسك أولا بالخاطر الذي يبرىء زوجه، ويدين يوسف، فذلك هو الذي كان يرجوه، ويودّ لو أن هذه الفاجعة قد أقامت له الدليل عليه! «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ..»
وإذ استراح العزيز إلى هذا الرأى، تلّفت إلى يوسف، وأخذه بعينيه، ونظر إلى القميص، فرآه قد قدّ من دبر! «فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ» ..
وهكذا برئت ساحة يوسف- وهو البريء دائما- وأقبل العزيز على المرأة، لا ليدينها فى شخصها، بل ليجعل هذه التهمة قسمة مشاعة فى بنات جنسها جميعا.. «إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ» أيتها النساء «إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ» إنّ فيكنّ المكر والدهاء، وسعة الحيلة فى هذا المجال.. وإذن فلا يستغرب منك هذا، بل ولا ينكر منك، فما أنت إلّا واحدة من بنات جنسك!! فلا عليك! «يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ» .
- «يوسف» منادى، أي يا يوسف، والمنادى له هو العزيز، يحذّره- وإن