وتلك هى حالهم، فقد ترك جواب «لو» الشرطية لدلالة الحال عليه، وللإشارة إلى أن الجواب محمول مع الشرط، وأنه جواب واحد لا سبيل إلى غيره، وهو أن هؤلاء المشركين بالذات، لن يؤمنوا أبدا، كما يقول الله سبحانه وتعالى فيهم:«وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا»(١٤٦: الأعراف) وكما يقول سبحانه فيهم أيضا «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» . (٩٦- ٩٧: يونس) والتعبير بصيغة الماضي عن هذا القرآن الذي تسير به الجبال، أو تقطع به الأرض، أو يكلم به الموتى، وهذا ما يشير بأن هذه الآيات لو وقعت فعلا أمامهم لم يؤمنوا بها..
ومما يشهد لهذا الرأى الذي ذهبنا إليه فى تأويل هذه الآية هو الأخبار وقد تأول المفسرون لهذه الآية كثيرا من وجوه التأويل، لم نجد فيها ما نطمئن إليه.
قوله تعالى:«بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً» - هو إجابة عن سؤال يرد على الخاطر بعد الاستماع إلى قوله تعالى:«وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» وما يفهم من هذا، من أن هؤلاء المشركين لن يؤمنوا بالله أبدا.. والسؤال هو: لماذا لا يؤمن هؤلاء المشركون، بهذه الآيات التي يؤمن بها الناس؟ وماذا يحجزهم عن الإيمان، ويقيمهم على الشرك والضلال؟
وكان الجواب هو قوله تعالى:«بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً» أي أن الأمر كلّه لله، لا يسأل عما يفعل، وهو- سبحانه- إذ حجز هؤلاء المشركين عن الهدى، وختم على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فلم يروا آيات الله الكونية، ولم يسمعوا آيات الله المنزلة على نبيّه، ولم يتحوّلوا عن طريق الشرك