سبحانه الذي ينزلها بقدر:«لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ» .. فكل آية مرهونة بوقتها، شأنها فى هذا شأن المواليد التي تولد، والأحياء التي تموت.. فلا يولد مولود إلا بإذن الله، وفى الوقت الذي قدّره الله له، ولا تموت نفس إلا بإذنه، وفى الوقت الموقوت لموتها..
قوله تعالى:«يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» المراد بالمحو والإثبات هنا، هو ما يقع فى الوجود من آثار قدرة الله، وتصرفاته فى الموجودات، من إحياء وإماتة، ومن بناء وهدم، ومن زيادة ونقص، ونهار وليل، وزرع وحصاد.. إلى غير ذلك مما يجرى عليه نظام الوجود.. فهناك محو وإثبات، وإثبات ومحو.. وكذلك الآيات التي يحملها رسل الله إلى أقوامهم، هى واقعة تحت هذا الحكم، يمحو الله منها ما يشاء، ويبقى منها ما يشاء.. وينسخ دينا، ويقيم دينا، ويمحو شريعة ويثبت شريعة..
وهذا كله ثابت فى علم الله.. فما يقع شىء فى هذا الوجود إلا وهو واقع فى علم الله الأزلىّ.. يظهر فى وقته الموقوت له فى علم الله..
والمراد «بأم الكتاب» هو علم الله، الذي يرجع إليه كل أمر:«وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ»(٥٩: الأنعام) قوله تعالى: «وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ» هو وعيد لهؤلاء المشركين والكافرين جميعا، وأنهم فى معرض النقمة والبلاء، من الله، وسواء أوقع عليهم البلاء وحلّت بهم النقمة والنبىّ حىّ يرى بعض هذا ويشهده، أو يموت قبل أن يرى ما توعدهم الله به، فإن ذلك ليس من همّ النبىّ، ولا مما يشغل نفسه به، وإنما مهمته هى