هو استكمال لما دعا به إبراهيم ربه لإسماعيل وذريته، إذ أسكنه فى هذا المكان القفر، وأنزله فى هذا الوادي الجديب..
فأول ما دعا به إبراهيم ربه، لإسماعيل وذريته فى هذا الموطن، هو الأمن:
«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً» .. إذ كان الأمن هو ضمان الحياة، وسكن النفوس، والقلوب، وإنه لا حياة لإنسان، ولا نظام لمجتمع إلا فى ظل الأمن والسلام.. ثم كانت الدعوة الثانية بعد هذا، وهى الإيمان بالله، وذلك بعد أن يضمن الإنسان وجوده:«وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» .. ثم تجىء الدعوة الثالثة، التي تمسك الإيمان فى القلوب، ويمكّن له فى النفوس، وهى لقمة العيش، التي إن لم يجدها الإنسان، هلك، وطار صوابه، وذهب إيمانه.. وفى هذا يقول إبراهيم:
- «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي» أي بعض ذريتى، إذ كان ابنه الآخر وهو إسحق يعيش فى موطن غير هذا الموطن.. فإسماعيل الذي أسكنه فى هذا الوادي هو بعض ذريته، لا كلّ ذريته.. «بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» أي فى حمى بيتك المحرّم، وهذا هو السبب فى أن اختار إبراهيم لإسماعيل هذا المكان القفر المنعزل.. فإنه وإن كان قفرا جديبا، لا زرع فيه ولا ثمر، فإنه مأنوس خصيب، بنفحات الله، محفوف برحمته ورضوانه.
وحسب هذا الوادي أن يشرف بهذا الشرف العظيم، فيكون وعاء حاملا لبيت الله.. أول بيت وضع للناس! - «رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ» أي لكى تنتظم حياتهم، وتطمئن قلوبهم، ويؤدّوا ما فرض