قوله تعالى:«رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فى هذه الآية:
أولا: خطاب الأصنام خطاب العقلاء: «إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ» وفى هذا ما يكشف عن سفه المشركين الذين يعبدون هذه الأصنام، وخفّة أحلامهم، وأنهم يتعاملون مع هذه الأحجار كما يتعاملون مع الآدميين العقلاء..
وهذا لا يكون إلا عن سفاهة أحلام، وسخف عقول، وصغار نفوس.. إن هؤلاء الرّجال الدين يشمخون بآنافهم، ويطاولون السماء بأعناقهم، ليسوا إلا أطفالا فى مساليخ رجال.. فكما يتلهّى الأطفال بالدّمى، ويخلعون عليها من مشاعرهم، أسماء يخاطبونها بها، كما يخاطب بعضهم بعضا، كذلك يفعل هؤلاء المشركون بتلك لدّمى التي يشكلونها من الأحجار، والأخشاب، ويزينونها بالملابس والحلىّ، كما يزبن الأطفال العرائس والدّمى!! وثانيا: فى قول إبراهيم: «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.. وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» - إشارة إلى ما عند إبراهيم من علم بما لله فى عباده من حكمة..
وأن ذريّة إبراهيم لن تكون جميعها على طريق سواء.. فهم بين مؤمن يتبعه، وكافر يخرج عن الدين الذي دعا إليه..
وثالثا: فى قول إبراهيم: «وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» تظهر عاطفة الأبوة، كما تتجلّى تلك الصفة الكريمة التي حلّى الله سبحانه وتعالى بها إبراهيم، والتي ذكرها سبحانه فى قوله:«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» (٧٥: هود» .. فهو- عليه السلام- يدع العاصين من ذريته لمغفرة الله ورحمته.. وفى مغفرة الله ورحمته، متسع للعاصين، ورجاء للمذنبين.