وهكذا دبّر الملائكة الأمور مع «لوط» ، وهو أن يسرى بأهله، أي يخرج بهم ليلا، من غير أن يشعر به القوم، وأن يكون هذا السّرى فى آخر اللّيل، وذلك بعد أن تسكن الحياة فى القرية، ويستغرق القوم فى نوم عميق.. وأن يكون وراء أهله السّارين معه، وعلى أثرهم، كالراعى وراء قطيعه.
- وفى قوله تعالى:«وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ» إشارة إلى أن يقطعوا ما بينهم وبين القرية وأهلها من كل شعور يلفتهم إليها، ومن كل عاطفة تعطفهم نحوها.
- وفى قوله تعالى:«وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ» إشارة إلى أن لوطا فى مسراه هذا لا يعرف الوجهة التي سيأخذها فى سيره، وإنما سيلهم ذلك من الله سبحانه، وسيأتيه الأمر بالاتجاه إلى الجهة التي أرادها الله سبحانه وتعالى له..
أي أنهينا إليه ذكر الأمر، وأفضينا إليه بما فيه، وذلك عن طريق الوحى بوساطة هؤلاء الملائكة.. وهو أن «دابر هؤلاء القوم مقطوع مصبحين» أي مهلكهم هو الصبح، بحيث لا تبقى منهم باقية..
لقد أدّى الملائكة مهمتهم مع لوط، وأفضوا إليه بما جاءوا به.. ولكن كان ذلك بعد أن جاءه قومه، حين علموا بهؤلاء الضيوف الذين نزلوا عنده، يريدون الفاحشة بهم، فأقبلوا إليه، وقد طارت قلوبهم فرحا واستبشارا، بهذا الصيد السمين، الذي وقع فى الشرك! وقد دفعهم لوط عنهم، مستبشعا هذا الفعل المنكر فى ذاته، ثم هو أشد استبشاعا وإنكارا له، فى ضيوف نزلوا عنده..