للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه البيوت التي جعلها الله سكنا للإنسان، يأوى إليها، ويجد فيها أنس النفس وروح الروح، بما يجتمع إليه فيها من زوج وولد.. أليس هذا من نعم الخالق ومن سابغات أفضاله؟ ثم هذه البيوت الخفيفة الحمل التي يتخذها الإنسان من جلود الأنعام، أو مما على جلودها من أصواف وأوبار وأشعار- أليست مما يسّر الله للإنسان، ومكن له منها؟

أفبعد هذا يجد العاقل متجها إلى غير الله، يلوذ به، ويعطى ولاءه له؟

قوله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ» .. أي ومن فضل الله على عباده أن جعل لهم- من غير صنعة منهم- ظلالا يستظلون بها من وقدة الشمس، حيث يجدون هذه الظلال الفسيحة فيما أنبت الله من شجر، كما جعل لهم- من غير عمل ولا جهد- أكنانا من الجبال، يأوون إليها من البرد.. وذلك رحمة من رحمة الله بكثير من الناس الذين لا يتسع حولهم أو حيلتهم، لبناء البيوت، وصنعة المساكن..

كذلك من فضله سبحانه على عباده، أن هيأ لهم أسباب العلم والمعرفة فنسجوا من الحرير، والصوف، والشعر، والوبر.. وغيرها «سرابيل» أي ملابس يتسربلون بها، ويغطون أجسادهم، يتقون بها لفح الهجير، ولذعة السموم..

ثم مكن لهم سبحانه، من أن يتخذوا من الحديد سرابيل، أي دروعا يتقون بها عدوان بعضهم على بعض بالحراب والسيوف..

وفى قصر منفعة السرابيل، التي تتخذ لوقاية الجسم من عادية الحرّ، على هذه المنفعة وحدها، دون ما يتخذ من الملابس لانقاء البرد، أو التجملّ والتزين- فى هذا إشارة إلى تلك المنفعة الخفية التي ربّما غفل عنها كثير من الناس، حيث يحسبون أن اتقاء البرد، هو الدافع الأول للإنسان على اتخاذ الملابس والأغطية

<<  <  ج: ص:  >  >>