- قوله تعالى:«إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ» .. الضمير فى به، يعود إلى «عهد الله» الذي جاء ذكره فى قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ» .. أي أن هذا العهد يقطعه المرء على نفسه، ويجعل الله كفيلا عليه فيه- هذا العهد، هو ابتلاء من الله، وأمانة من الأمانات التي يطالب الإنسان بصيانتها والوفاء بها..
فمن وفّى بالعهد فقد أبرأ ذمته، واستحق الجزاء الحسن من ربه، ومن نكث، فهو غريم لله سبحانه وتعالى، وسيقتصّ الله منه.
قوله تعالى:«وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» .. هو معطوف على محذوف تقديره:«ليعلم» . ومعنى الآية مرتبط بالآية قبلها، والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى، إنما ابتلاكم بهذا التكليف، وهو الوفاء بالعهود، ليعلم المفسد من المصلح، والناكث للعهد والموفى به، وليبين لكم يوم القيامة هذا الذي أنتم مختلفون فيه، بين مفسد ومصلح، وعاص ومطيع، وناقص للعهد، وموف به.
هو تعقيب على قوله تعالى:«وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» - أي هذا الخلاف الواقع بين الناس، هو مما قضت به حكمه لله فيهم.. فلو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، تجرى أمورهم جميعا فيها على نمط واحد، كما هو شأن الأمم الأخرى من عالم الحيوان، لا اختلاف بين أفراد الأمة الواحدة منها، فى سلوكها، وفى منازع حياتها، وأسلوب معيشتها، حيث تسير جميعا فى طريق واحد، وعلى اتجاه واحد، لا يشذّ عنه فرد من أفرادها.. وليس كذلك شأن الناس، فكل فرد، هو أمة فى ذاته. له مدركاته، ومشاعره، وأنماط سلوكه.. بحيث لا يكاد يتشابه إنسان بإنسان، أو يلتقى