به- كانوا ينظرون إليه نظر اتهام للنبىّ بأنه إنّما يعيد بناء قرآنه، ويغيّر ويبدل فيه، ويصلح من أمره ما يراه غير مستقيم عنده، شأنه فى هذا شأن الشاعر، ينشىء القصيدة، ثم يجرى عليها من التعديل والتبديل ما يبدو له: حتى تستقيم لنظره، وتقع موقع الرضا من نفسه.. هكذا فكروا وقدّروا! وإذن.. فما محمد والقرآن الذي معه، والذي يجرى عليه هذه التسوية، بالتبديل والتغيير فى بنائه- إلّا واحدا من هؤلاء الشعراء، الذين يجوّدون شعرهم، ويسوّون وجوهه، فيكون لهم من ذلك تلك القصائد المعروفة بالحوليّات التي يعيش الشاعر معها حولا كاملا، يعالج ما فيها من عوج، حتى تستقيم له! وإذن، فما دعوى محمد بأن هذا القرآن من عند الله، إلا محض كذب وافتراء! هكذا كان يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض، فى النبىّ الكريم، حين كانوا يرونه يصنع هذا الصنيع فى ترتيب الآيات القرآنية فى سورها، حسب الوحى السماوي الذي يتلقاه من ربّه..
وقد ردّ الله سبحانه وتعالى على هؤلاء السفهاء بقوله:«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ» .
وروح القدس، هو جبريل، عليه السلام، وهو السفير بين الله سبحانه وتعالى، وبين النبىّ الكريم، بهذا القرآن الكريم..
- وقوله تعالى:«لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا» أي ليربط على قلوبهم، ويقوّى عزائمهم، ويثبت أقدامهم على طريق الإيمان، بما ينزل عليهم من آيات تؤنس وحشتهم، وتكشف لهم عن العاقبة المسعدة التي ينتهى إليها صراعهم، مع قوى البغي والعدوان..