مكة ودروبها، من أول البعثة إلى أن أذن الله سبحانه وتعالى له بالهجرة..
وبهذا الزّاد تقوّى النبي والمؤمنون معه على حمل هذا العبء الثقيل خلال تلك الرحلة المضنية القاسية.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا» . وقد اختصّ الذين آمنوا بالذّكر هنا، لأنهم كانوا فى حاجة ماسّة إلى هذا الزّاد، ليثبتوا فى مواقفهم، وليصبروا على هذا البلاء الذي كانوا فيه، انتظارا لهذا الوعد الكريم الذي وعدهم الله سبحانه وتعالى به، فيما سيأخذ به المشركين من خزى وخذلان، كما يقول سبحانه:
ولم يذكر النبىّ الكريم هنا لأنه- صلوات الله وسلامه عليه- محفوف دائما بألطاف ربّه، وعلى يقين راسخ من نصر الله.. فهو- صلوات الله وسلامه عليه، - يحمل فى كيانه من قوى الحقّ والإيمان ما لا تنال منه الدنيا كلها لو اجتمع أهلها على حربه والكيد له. وفى هذا يقول صلوات الله وسلامه عليه لعمه أبى طالب:«والله يا عمّ لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه.. ما تركته» ! وهذه الظاهرة فى القرآن الكريم، من تبادل الآيات أماكنها خلال الفترة التي نزل فيها، تقابلها ظاهرة أخرى، وهى نزول القرآن منجّما، خلال ثلاث وعشرين سنة، حيث لم ينزل جملة واحدة، وإنما نزل آية آية، وآيات آيات، حتى كمل، وتمّ بناؤه على الصّورة التي أراده عليها سبحانه وتعالى كما تلقاه النبي الكريم من جبريل، فى العرضة الأخيرة التي كانت بينهما، بعد أن تم نزول القرآن، قبيل وفاة النبي بزمن قليل..
فهناك إذن عمليتان، قام عليهما بناء القرآن الكريم، وهما: