وهذا الحدث هنا، هو المثل الذي ضربه الله لمن يعقل، ويعتبر، ويأخذ من مضرب المثل عظة وعبرة..
والمثل المضروب هنا، هو تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة، بما يسوق الله إليها من نعم.. فبطرت معيشتها، وكفرت بأنعم الله.
وقد اختلف المفسّرون فى هذه القرية.. أهي قرية من قرى الأولين التي أهلكها الله ودمدم على أهلها؟ أم هى مكة..
والذي نميل إليه هو أن هذه القرية هى واحدة من تلك القرى التي أهلكها الله، والتي أشار إليها الله سبحانه وتعالى بقوله:«وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ»(١١: الأنبياء) .. وبقوله سبحانه:«وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً»(٥٩: الكهف) وبقوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ»(٤٨: الحج) .
فأية قرية من تلك القرى الظالمة التي أهلكها الله بظلمها، والتي عرف المشركون أخبارها وما حلّ بأهلها- أية قرية من تلك القرى صالحة لأن تكون المثل المضروب لأهل مكة.. يرون فى مخلّفاتها العبرة والعظة، إن كانوا يعتبرون ويتعظون.. فلقد عرف مشركو قريش ما حلّ بالقرى التي حولهم من عذاب الله.. فيما قصّ عليهم سبحانه وتعالى من أخبار «سبأ» فى قوله تعالى: «لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ»(١٥- ١٧: سبأ) .