للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه القرية- مثلا- كانت- كما يقص القرآن الكريم من أخبارها- فى حياة طيبة، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، تحفّ بها الجنات عن يمين وشمال، فأكل أهلها من رزق الله، ولم يشكروا له، بل كفروا بنعمه، ومكروا بآياته، فأخذهم بالبأساء والضرّاء، وبدّلهم بجنتيهم ذواتى الثمر الطيب، والخير الموفور، أرضا قفرا لا تمسك إلا ببقايا حياة باهتة من شجر لا يعطى إلا خسيس الثمر، وقليله..! وهكذا كل من يكفر بنعم الله، ويمكر بآلائه.

- وفى قوله تعالى: «فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ» إشارة إلى ما حلّ بهذه القرية الظالمة من بلاء، وما وقع عليها من بأس الله إذ جاءها، فقد بدل الله أمنها وطمأنينتها، جوعا دائما وخوفا متصلا، حتى لقد اشتمل عليها الجوع والخوف، كما يشتمل الثوب على الجسد ويحتويه، وحتى أنه كلما بلى هذا الثوب، ألبسهم الله ثوبا غيره.. وهكذا، لا يخلعون ثوبا إلا لبسوا غيره، ليذوقوا العذاب، بما كانوا يصنعون..

وقوله تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ» - هو إشارة إلى أن هذه القرية الظالمة، التي حلّ بها هذا البلاء، لم تؤخذ هكذا على غير حجّة قامت عليها، بل لقد بعث الله سبحانه وتعالى إلى أهلها رسولا منهم، فبلغهم رسالة ربّه إليهم، ودعاهم إلى الإيمان بالله، وإلى الاستقامة على طريق الحقّ والخير، فأبوا إلا عنادا وكفرا.. فكان أن أوقع الله بهم البلاء، كما يقول سبحانه: «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (١٥: الإسراء) .

وقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» هو إلفات إلى أهل مكة خاصة، وإلى كل ذى عقل ونظر، أن يأخذوا العبرة من هذا المثل، وأن يجدوا فى النعم التي أنعمها لله عليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>