فالذى يفهم من هذا الحديث- إن صحّ- أنه يحدّث عن علم الله سبحانه وتعالى، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان فى علم الله نبيا قبل أن يخلق آدم، ويتحقق له وجود على هذه الأرض.. وليس هذا شأن النبي وحده، بل هو شأن كل مخلوق، إذ كان فى علم الله على تلك الصفة التي جاء، أو يجىء عليها، قبل أن يخلق آدم، بل وقبل أن يخلق أي مخلوق فى السموات والأرض.. إذ قبل الخلق، كان العلم، وفى مستودعات هذا العلم كانت المخلوقات جميعها، قبل أن تخلق وتبرز من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
وعلى هذا، فلك أن تقول كنت جالسا على هذا الكرسي الذي أجلس عليه، أو نائما فى هذا المكان الذي أنام فيه، أو آكلا من هذا الطعام الذي آكل منه. إلى غير ذلك مما أنت فيه من شئونك وأحوالك- لك أن تقول:«كنت على هذه الحال، أو على هذا الشأن، وآدم بين الماء والطين، وكنت على تلك الحال وهذه الشأن ولا آدم ولا الطين..» !!
وبعد، فإن الحقيقة المحمدية ليست هى تلك الصورة المشوهة المضطربة التي تتراقص فى عالم الخيالات والأوهام، والتي تسبح فى سموات من الدخان والضباب.. وإنما هى تلك الحقيقة التي عاشت فى هذه الدنيا، فكانت نورا هاديا، وسراجا منيرا، يجلّى غياهب الظلمات، ويكشف للناس الطريق إلى الله، وإلى الحق، والخير.. ذلك هو محمد رسول الله، كما ينبغى أن يراه المسلم، وذلك هو «محمد» رسول الله، كما وصفه ربه جلّ وعلا: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ