والآباء- فى الواقع- فى غير حاجة إلى تنبيه إلى ما يجب عليهم نحو أولادهم، من صيانة ورعاية، فتلك فطرة، أقوى من أن تخضع لمؤثرات من الخارج، تضعفها، أو تنحرف بها عن غير طريقها المرسوم لها.. فحبّ الأبناء غريزة فى كل كائن حىّ، حتى النّبات، الأمر الذي يجعل من الأصول قوة عاملة، ساهرة، على صيانة الفروع، وتثبيت أقدامها فى الحياة، وذلك لحفظ النوع، الذي هو أقوى قوة عاملة فى الكائن الحىّ..
والنهى عن قتل الأولاد، إنما هو لمحاربة آفة عارضة، أصابت بعض القبائل العربية فى الجاهلية، فدفعت بهم إلى قتل أبنائهم، ووأد بناتهم.!
والذي يتأمل فى هذه الظاهرة التي فشت فى بعض القبائل العربية، يجد أنها إنما قامت أصلا على غريزة حبّ الآباء للأبناء، وحرصهم على كفالتهم، وضمان أمنهم وسلامتهم.. وذلك أن ما كان يلقاه الأعرابى من فقر، وما يقاسيه من بلاء وضرّ فى سنى الجدب والمحن، هو شىء مفزع مخيف.. إذا نظر الأعرابى إليه وهو يتجه إلى بنيه، ويمدّ يده إليهم، ويبسط جناحه المشئوم عليهم، هاله ذلك وأفزعه، ورأى الموت لبنيه رحمة من هذا البلاء، وشفاء من هذا الداء.!
لهذا، كان التخلص من الأبناء، عند الولادة، هو المهرب الذي فرّ إليه بعض الأعراب بأبنائهم من وجه هذا المستقبل الكئيب الذي ينتزع أبناءهم من بين أيديهم- تحت وطأة الجوع، ويسلبهم الحياة نفسا نفسا، ويذيقهم الموت موتات، لا موتة واحدة! قد يكون هو الجهل، وسوء التدبير، وفساد العقيدة، ذلك الذي سوّل لبعض الأعراب أن يصنعوا بأبنائهم هذا الفعل الشنيع المنكر.. ولكن ليس هو جفاف العاطفة، ولا جفاء الطبع، ولا بلادة الحس، بل ربّما كان ذلك- كما قلنا- عن زيادة فى خصب العاطفة، ورقة الطبع، ورفاهة الحسّ، حيال