للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نجد عاطفة للأبوة أرقّ وأحنى وأنبل من تلك العاطفة التي كان يحملها العربي «للبنت» وحسبنا أن نذكر قول أبى خالد المازني، وكان من «الخوارج» .. وقد لامه قطرىّ بن الفجاءة على أن يكون فى القاعدين عن الحرب، فقال:

لقد زاد الحياة إلىّ حبّا ... بناتي إنهن من الضعاف

أحاذر أن يرين الفقر بعدي ... وأن يشربن رنفا «١» بعد صاف

وأن يعرين إن كسى الجواري ... فتنبو العين عن كوم عجاف «٢»

ولولا ذاك قد سوّمت مهرى ... وفى الرحمن للضعفاء كاف

والأبيات فى غنى عن الشرح والتعليق.. فهى كما ترى من توهج العاطفة، وصدق الشعور، وقد جاءت نغما رائعا يأخذ بمجامع القلوب، ويستولى على مواطن الحبّ والرحمة والحنان..

وفى الشعر العربىّ كثير من مثل هذه المواقف التي تكشف عن تلك العواطف الرقيقة التي كان يحملها العربىّ لبناته، صغيرات وكبيرات.

الفقر إذن، وما قد يقاسيه الأولاد من مسغبة قاتلة بيد الحرمان، هو الذي دفع ببعض العرب، إلى هذا الفعل المنكر، الذي كانوا يفعلونه، وأكبادهم تتمزق حسرة، وقلوبهم تتنزّى ألما، ولهذا جاء قوله تعالى: «خَشْيَةَ إِمْلاقٍ» كاشفا عن العلّة التي من أجلها كان يقتل العربي ابنه، أو أبناءه، أو يئد بنته أو بناته.

وقد صحّح الله سبحانه وتعالى ما وقع فى تفكيرهم من خطأ، أدّى بهم إلى


(١) الرنق: العكر.
(٢) الكوم: جمع كوماء، وهى الناقة الفتية، والعجاف: جمع عجفاء، وهى الهزيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>