اختلف النظم فى هاتين الآيتين عنه فى الآيات السابقة، حيث جاء الخطاب فيهما بلفظ المفرد، على حين كان الخطاب فى الآيات السابقة موجها إلى الجمع..
والسرّ فى هذا، هو أن المنهي عنه فى الآيات السابقة كان عن أمور لا تحقّق إلّا بأكثر من شخص، كقتل الأبناء، الذي هو فى أضيق صوره لا يتم إلا بين أب وابنه، وكقتل النفس، الذي لا يكون إلا بين قاتل ومقتول.. ومال اليتيم، الذي هو بين اليتيم والوصىّ عليه.. والزنا، الذي بين رجل وامرأة، وكذلك الكيل والميزان، ونحوهما.. إنها عمليات لا تتم إلا بين آخذ ومعط..
أما ما جاء فى قوله تعالى:«وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» .. فهو شأن من شئون الإنسان وحده، لا يكاد يطّلع عليه أحد سواه..
- ومعنى قوله تعالى:«وَلا تَقْفُ» أي لا تتّبع.. وأصله من القفو والقفا، وهو أن يتبع الإنسان خطو غيره، ويسير وراءه، أي يجىء من قفاه.. ومنه القافية فى الشّعر، لأنّها آخر البيت..
وفى الآية الكريمة دعوة آمرة، إلى إيقاظ مشاعر الإنسان، وتوجيه ملكاته إلى هذا الوجود، فلا يقول إلا عن علم، ولا ينطق إلا بما يمليه عليه عقله، ويوحى إليه به إدراكه..
فالآية الكريمة تنهى عن أن يكون الإنسان إمّعة، يتبع كل ناعق، ويجرى وراء كل داع، دون أن يكون له رأى فيما يعمل ويقول.. وهذا معناه تعطيل لمدركاته، وعدوان على إنسانيته بحرمانها من حقّها فى التزوّد بزاد العلم والمعرفة..
- وفى قوله تعالى:«إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» - إشارة إلى ما للسمع، والبصر، والفؤاد من قوة قادرة على اصطياد