أولا: الإشادة بمقام العلم، والاحتفاء بأهله.. وأنه بقدر حظ الإنسان من المعرفة، ومبلغه من العلم، تكون منزلته، ويكون قدره.. وأن الله سبحانه وتعالى، وقد أحاط بكل شىء علما، فإنه- سبحانه- قد استأثر بكثير من أسرار الوجود، لا يصل إليها علم العلماء.. وهكذا، كل من حصّل شيئا من العلم، هو مستأثر بسرّ ما علم، مالك له، متصرف فيه، وإن على من أراد أن يكون له مكان فى هذا المقام، فليطلب العلم وليلحق بركب العالمين..
وثانيا: أن العلم الذي يحصّله العلماء، وتتسع له المدارك والعقول.. هو علم قليل قليل.. لا يبلغ شيئا إلى جانب علم الله.. ويكفى الإنسان جهلا وصغارا أنه يجهل نفسه، ويجهل الروح السارية فيه، والتي هى مبعث حياته، وحركته.. فكيف يكون له علم مع علم الله الذي وسع الوجود كله علما وحكمة ورحمة.؟
وثالثا: التحريض على طلب العلم، والاستزادة منه، حتى يكون هذا العلم القليل الذي نعلمه، كثيرا، نفيد منه فى أمور معاشنا ومعادنا.. فما أكثر ما نجهل من عالمنا الأرضى المحدود الذي نعيش فيه، وما أكثر ما ينكشف لنا كل يوم من خباياه وأسراره.. فلنطلب العلم، ولنجدّ فى الطلب.. ولكن ليكن ذلك لحساب العلم والمعرفة، لا لإشباع شهوة المماحكة والجدل..
هذا، والرأى عندنا أن يكون المراد بالروح هنا القرآن الكريم، فهو روح الأرواح، وحياة النفوس، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بهذه الصفة فى قوله تعالى:«يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ»(٢: النحل) وفى قوله سبحانه: «رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ»(١٥: غافر) .