«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» وكما يقول جل شأنه:
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ»(٥١: العنكبوت) فهذا القرآن، وما حمل إلى الناس من هدى ورحمة، وما جمع بين دفتيه من علم ومعرفة- هذا القرآن، وهذا شأنه، قد غفل عنه هؤلاء الغافلون الجاهلون.. ولم يقفوا عند هذا، بل تصدّوا له، وحاربوه، وقال بعضهم لبعض:
«لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»(٢٦: فصلت) .. ثم ها هم أولاء يجيئون من خلف القرآن، ويتسلّلون من ورائه، فى خبث ومكر، يسألون سؤال من يطلب العلم، ويبغى المعرفة، وما هم بطلاب علم، ولا روّاد معرفة.. إذ لو كانوا كذلك لكان فيما نزل عليهم من قرآن ما يملأ عليهم حياتهم علما ومعرفة:«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» ؟
(٥١: العنكبوت) ..
- ففى قوله تعالى:«وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» .. تهديد لهؤلاء المشركين بتحويل هذا القرآن عنهم، ورفعه من بينهم، وحرمانهم هذا الخير العظيم المسوق إليهم! ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى بك أيها النبىّ وبقومك، هى التي أمسكت هذا الخير عندهم، وأبقته فيهم:«إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً» فبفضل الله سبحانه وتعالى عليك، وإكرامه العظيم لك، قد أبقى على قومك، فلم يعجّل لهم العذاب، ولم يقطع عنهم هذا الخير الذي حملته إليهم بين يديك.. بل جعله الله سبحانه مائدة ممدودة لهم، وموردا يردونه أنّى شاءوا، غير مدفوعين عنه، ولا محرومين منه.