للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم، كما يقال إن مشركى مكة قد تلقوها منهم؟ فما هو الجديد الذي جاء به محمد ليشهد له بأن القرآن وحي من عند الله؟ وهل كانت هذه المقولات من الأسرار التي احتفظ بها اليهود فيما بينهم؟ وكيف تكون سرّا وهى على هذا الخلاف الشديد بينهم؟ كلام لا معقول له أبدا.

أما التعليل الذي يمكن أن يفهم عليه إغفال القرآن لذكر العدد الحقيقي لأصحاب الكهف، والقطع به، فهو ما جرى عليه أسلوب القرآن فى كل موقف يلتقى فيه بأصحاب المراء والجدل، الذين يريدون أن يسوقوه إلى المماحكات والمهاترات، التي لا تنتج إلا اضطرابا وبلبلة.. والقرآن يعرف طريقه إلى غاياته التي يريدها، فهو لا يقف عند هذه المواقف، ولا يلقاها بما يقدره أصحابها من صرفه عن وجهته، وشغله بهذا اللغو من الكلام عن رسالته! ففى كل مرّة كان يسأل فيها النبىّ سؤالا متعنّتا، لا يراد به كشف حقيقة، أو جلاء غامضة- كان يدع السائلين لما هم فيه، ويصرف وجهه عنهم، ليلقى الحياة كلها، بالجواب الذي فيه نفع للناس، وهدى للعالمين! سأل المشركون النبىّ عن الهلال: ما باله يبدو صغيرا، ثم يكبر، ثم يعود صغيرا؟.

وكان الجواب: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ.. قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» !. (١٨٩: البقرة) وكذلك الشأن فى فتية أصحاب الكهف.. إن العبرة الماثلة فى قصتهم، ليست فى عددهم قلّ أو كثر.. فليكونوا ثلاثة، أو مائة، أو ألفا.. أو ما شئت من عدد.. وإنما العبرة، هى فى موقف هؤلاء الفتية من الضلال الذي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>