«أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها.؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» !! فما هكذا يعمل العقلاء، وما هكذا تجرى أعمال أهل الصلاح والتقوى.. إنه عدوان صارخ على الأبرياء.. لا مبرّر له، ولا عذر لمرتكبه! والإمر: المنكر من الأمر..
ويتلقى العبد الصالح هذه الثورة المتوقعة من موسى، فى رفق ولطف..
وهنا يتنبّه موسى إلى الشرط الذي كان قد اشترطه عليه صاحبه، وصحبه هو عليه.. فيقول معتذرا فى أدب كريم:
«لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً» .. أي هذه هفوة فتجاوز لى عنها.. وخذنى برفق، ولا تشتدّ علىّ، وأنت تعلم من أول الأمر ثقل هذا الذي تلقيه علىّ من علمك..
«فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ» ! وهذه فعلة أشد من سابقتها وقعا، وأفدح خطبا، وأنكر نكرا..
إذ كانت الأولى فى متاع من متاع الدنيا.. أما هذه، فقد وقعت على نفس إنسانية بريئة براءة الطفولة.. لم تقترف إثما، ولم تأت منكرا.. ومن أجل هذا ينسى موسى وجوده كلّه، ولا يذكر الشرط الذي بينه وبين صاحبه، ولا يلتفت إلى زلّته التي زلّها منذ قليل مع أستاذه، واعتذاره له.. فيصرخ صرخة عالية مدوّية: