للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً» .. هكذا يلقى فى وجه أستاذه بهذا الاتهام الصريح.. «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً!» وكان فى المرة الأولى قد لقيه بالاتهام فى مواربة وعلى استحياء: «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» .. فالموقف هنا إزاء جريمة صارخة لا يمكن أن يقوم لها- حسب تقديره- عذر أبدا.. وإن كان يمكن أن يقام لخرق السفينة- ولو على سبيل المراء والجدل- عذر..

وهنا، يأخذ الأستاذ تلميذه بشىء من الشدّة، والتأنيب.. فيقول:

«أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ؟ ففى كلمة «لك» نخسة قوية، ويد تمتد إلى موسى من صاحبه فتعرك أذنه! ولا يجد موسى أمام هذا البعد البعيد الذي بين منطلقه ومنطلق صاحبه، إلا أن يحسم الموقف، ويقطع الشوط الذي إن طال بينهما إلى أبعد من هذا المدى، لم تحمد عاقبته، وربما تصارعا، وتقاتلا إذ لم يعد اللسان أداة قادرة على سدّ هذه الثغرات الهائلة بينهما.. فيقول:

«إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي.. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً» .

لقد وجد موسى لصاحبه العذر فى ضيقه به، ولومه له.. إنه قد صحبه على شرط، وها هو ذا يخرق الشرط مرة، ومرة.. وهو بسبيل أن يخرقه مرات إذا طال الطريق بهما..

«فَانْطَلَقا.. حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ..»

وهذا عمل لا يقبله عقل، ولا يستسيغه منطق.. قرية، ينزلان بها، ويطلبان

<<  <  ج: ص:  >  >>