فأولا: لقد رأى السفينة التي أعطيها صاحبه، قد سلمت من يد الملك، على حين أخذ كل السّفن التي كانت صالحة للعمل، مثلها، قبل أن يصيبها العطب! فهو إذ يجىء إلى أمر الغلام وما يقال فيه، إنما يجىء إليه ومعه هذا الشعور الذي ملأ قلبه طمأنينة وتسليما لصاحبه، الذي يرى ما لا يراه.
وثانيا: كان موسى يعلم مقدّما أنّه بين يدى عبد من عباد الله الصالحين، قد آتاه الله من العلم ما استحقّ به أن يكون أستاذا لنبىّ من أنبياء الله..
اصطفاه الله لرسالته، وكلّمه تكليما مباشرا، بلا واسطة.. فإنّ من كان هذا شأنه، لا يتّهم فى أخباره، وأفعاله، وإن احتاج المرء إلى تأويلها، وتوضيحها، حتى يطمئن قلبه، وتسكن وساوسه.
وثالثا: يعرف موسى عن يقين أن وراء تحركات الأحداث قوة قادرة قاهرة، هى التي تضبط حركاتها، وتجرى بها إلى قدر معلوم، سواء أكان ذلك مما يتفق مع تقدير الناس لمجريات أمورهم، ومنطلقات سعيهم، أولا يتفق..
وعلى هذا، فإنه ليس بالبعيد المستغرب- عند موسى- أن يكون هذا الذي كرهه من صاحبه وعدّه شرا، هو أمر محبوب فى عاقبته، خير فى مآله الذي يؤول إليه..
- فإذا كان قد وقع فى نفس موسى شىء من هذا التأويل لمقتل الغلام، فإن فى نفس موسى أيضا كثيرا من قوى الإيمان التي تدفع هذه الشكوك التي ساورته..
وأما قول صاحبه:«فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً» .. فإنه محمول على أمرين:
أولهما: أن هذا الغلام الذي هو شرّ كلّه، وبلاء على الإنسانية، بما يحمل فى كيانه من طغيان، وفساد، وكفر- هذا الغلام- وذلك شأنه- إن