ولا يترك العبد الصالح لتلميذه فسحة من الوقت، يسير فيها تفكيره فى هذه المدارات التي تزمجر فيها الأعاصير، والزوابع، بل إنه سرعان ما يكشف له وجه الحقيقة سافرا، وإذا موسى يجد هذه الكلمات تنفذ إلى أعماقه، فتنزل على قلبه بردا وسلاما، وتدفع سفينته فى ريح رخاء، إلى شاطىء الطمأنينة والسلامة.
إن يكن ثمّة قول يقال.. فهو تلك الخاطرة التي تخطر له، وهو يصل مجرى الأحداث بعضها ببعض، فيقول فيما بينه وبين نفسه: إذا كان صلاح الأب قد امتد إلى ولديه، فنفعهما وحفظ لهما كنزهما الذي تركه لهما من بعده- فكيف لا ينفع إيمان الأبوين وصلاحهما، هذا الغلام الذي قتل؟ وكيف لا ينفع صلاح الأبوين فى استنقاذ ولد واحد، على حين ينفع صلاح أب وحده، فى استنقاذ ولدين؟
وما يكاد موسى يلتفت إلى هذا، وإلى غير هذا ممّا ساوره من خطرات، حتى يلقاه أستاذه بقوله:
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ..» !
إنها رحمة الله، ينزلها حيث يشاء، ويختصّ بها من يشاء.. حسب ما تقضى به حكمته، ويحكم به علمه فى خلقه.. كما يقول سبحانه:«نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ»(٥٦: يوسف) وكما يقول جلّ وعلا: «وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ.. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(١٠٥: البقرة) .