أرأيت إلى جماعة كبيرة من العازفين على مجموعات متعددة من آلات الموسيقى، يقومون على أداء لحن رائع منسجم متناغم؟
إن الذي لا يحسن لغة الموسيقى، ولا يعطى أذنه وقلبه لهذا اللحن الذي يجتمع من هذه الأنغام التي ترسلها أيدى العازفين، وأفواههم وأرجلهم، من تلك الآلات التي يقومون بالأداء عليها- لا يرى إلّا فوضى مجنونة متخبطة، ولا يسمع إلا ضجيجا وصخبا وتلاطما.. أما حقيقة الأمر، فهو- عند الموسيقى- على خلاف ذلك تماما.. إنه يرى تآلفا وتلاقيا، ويسمع تجاوبا وتناغما، فيجد لذلك روح روحه ونشوة فؤاده، ويقظة وجدانه..
ذلك أشبه شىء بالوجود فى نظر من يعلم ومن لا يعلم! وننظر مرة أخرى إلى ما كان بين موسى والعبد الصالح..
لقد كان موسى يسير فى اتجاهه الإنسانى.. ويأخذ طريقه على قدر ما ينكشف له من عوالم الوجود..
على حين كان العبد الصالح يسير فى اتجاه الدولاب القدرىّ.. ويأخذ الأمور على الوجه الذي تستقيم فيه مع حركة هذا الدولاب القدرىّ.. وقد وقع الصّدام، بل والصراع بين الاتجاهين..
والواقع أنه لم يكن ثمة خلاف بين هذين الاتجاهين.. إذ كل منهما منته إلى نهاية واحدة، يلتقيان عندها..
وكل ما فى الأمر، أن الحركة القدرية فى هذه المرحلة القصيرة التي صحب فيها موسى صاحبه، قد وجدت فى العبد الصالح مفسّرا لها، وكاشفا عن وجهها، ولولا هذا لظلّت فى عينى موسى وفى تفكيره قدرا لا يدرى له مفهوما، ولا يعرف