للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له متأوّلا.. تماما كما يقع لعينى الإنسان منا كلّ يوم من مئات الأحداث، فى نفسه، وفى غيره، دون أن يعرف وجه الحكمة فيها.. ولو أننا وجدنا مثل العبد الصالح من يكشف لنا عما وراء هذه الأحداث، لما أصابنا همّ، ولما بتنا على قلق، لما وقع أو يتوقع من سوء، وما نزل أو ينزل من مكاره، ولظهرت لنا هذه الأحداث آخذة أتمّ وضع وأصلحه لنا، ولنظام الوجود العام كله.. وهذا ما تشير إليه المأثورة الإسلامية: «لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع» ! وإذن.. فالماديون الذين ينكرون القدر، هم محقّون ومبطلون فى آن..

هم محقون، لأن كل ما ينسب إلى القدر، ويضاف إليه، ليس شيئا خارجا على سنن الكون، ولا مطلقا من العلل والأسباب التي تحكم الوجود وتمسك بكل موجود.. وغاية ما فى الأمر، أن هذه العلل، وتلك الأسباب مطوية عنّا، بعيدة عن واقع علمنا، وأنها لو انكشفت لنا لما كان فيها إلا ما نراه فى كل أمر نعلم حقيقته، ونعلم العلل والأسباب المتحكّمة فيه..

وهم مبطلون.. لأن العلم الذي فى أيديهم، والذي يستطيعون به النظر فى الوجود- هو علم قاصر محدود، لا يحمل من الطاقات الضوئية، إلا شعاعات باهتة متكسّرة، لا تنفذ إلى أعماق الوجود، ولا تكشف إلا بعض ما يظهر على حافانه وحواشيه.. وعلى هذا، فإنه ستظل موجودات الوجود كلها- فيما عدا هذه القشور منها- بعيدة عن متناول العلم، مجهولة الأسباب والعلل.. وهى التي تطلع علينا حين تطلع، قدرا مقدورا.. لا نعرف لها تأويلا، ولا ندرى لها تفسيرا! والعبرة الماثلة لنا من قصة موسى والعبد الصالح، هى أن نلزم أنفسنا الأخذ بالأسباب الظاهرة لنا، وأن نصرّف أمورنا بمقتضى هذه الأسباب التي تقع فى

<<  <  ج: ص:  >  >>