للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفكيرنا وتقديرنا، وألا نتطلّع إلى ما وراء ذلك.. ففى هذا- وفى هذا وحده- ضمان لاستقامة تصرفاتنا، مع ما يصلح عليه أمرنا، وأمر المجتمع الإنسانى الذي نعيش فيه..

إن القوى المحدودة التي أودعها الله فينا، هى التي تتفق اتفاقا تامّا مع الوجود الذي أقامنا الله عليه، ومع الموجودات التي أوجدنا الله معها..

فجوارحنا، ومدركاتنا، مضبوطة على أعدل وضع يمكن أن يعطينا من الحياة أكبر قدر يمكن أن نأخذه منها، وأن ننتفع به على الوجه الملائم لنا..

ولو خرجت مدركاتنا وحواسنا عن هذا المعدّل- بالزيادة أو النقص- لاضطرب وجودنا، وفسد نظام حياتنا..

فالماء الذي نشربه، والذي نراه نظيفا، سائغا- إذا نظرنا إليه بما وراء أبصارنا- كالمجهر مثلا- رأيناه مسبحا لجيوش كثيرة من الحيوانات.. وهو بهذه النظرة يتحول- فى تصورنا- من طيّب سائغ، إلى ماء تعافه النفس، وتقزّز منه، وتموت عطشا دون أن تقدم على شربة منه..

وكذلك قل فى كل ما نأكل وما نشرب. إننا لا نرى فى مأكولنا ومشروبنا ما نكره، ولكنا إذا نظرنا إليه بعيون مجهريّة، تبين لنا أن هناك عوالم سابحة فيه، من غرائب المخلوقات، تأخذ طريقها إلى جوفنا، دون أن نراها، فلا يهنئونا مع ذلك طعام، ولا يسوغ لنا شراب! وقل مثل هذا فى المسموعات، والمشمومات والمذوقات، إذا نحن جئناها بحواس أقوى أو أضعف من حواسّنا.. إنّها تقع منا موقعا بغيضا كريها..

من الخير إذن، ومن الرحمة بنا أن نعيش فيما خلقنا الله بما خلقنا به، وألّا نذهب إلى أبعد مما قدّر لنا.. بل نجعل الأسباب المعروفة لنا، هى الأساس الذي نتصرف بمقتضاه، فى تعاملنا مع الحياة، وملابستنا للموجودات.. ثم ليكن

<<  <  ج: ص:  >  >>