للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل هذا كلّه، إيماننا بقدرة الخالق، وبتقديره لكل شىء، وأننا إنما نعمل لنحقق إرادته مما أودع فى الكائنات من أسباب، وبما جعل لها من مسببات..

فهذا الإيمان هو الذي يسند الإنسان فى صراعه مع الحياة، وهو الذي يشدّ عزمه، ويدفع به إلى غايات لا يتطلع إليها أولئك الذين فقدوا هذا الإيمان..

وشتّان بين من يعمل، وهو على يقين بأنه فى رعاية ربّ الأرباب، وأقوى الأقوياء، وبين إنسان يعمل معزولا عن الشعور بهذا الإيمان.. يعمل فى حدود جهده البشرى المحدود، دون سند أو ظهير! إن النعمة فى كل صورة يتلقاها المرء عليها، لا يدخل منها على قلب المؤمن بالقدر، زهو ولا خيلاء.. لأنها من عند الله! وإن البلاء، والشدّة، والضرّ.. لا يقع منها على قلب المؤمن بالقدر، يأس ولا قنوط من روح الله.. «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» .. الكافرون بالله، وبما قدّر الله! والقدر بهذا المفهوم لا يخلى الإنسان من مسئولياته، إزاء الحياة، وإزاء التكاليف المنوطة به فيها.. فهو مطالب بأن يجهد جهده، ويبلى بلاءه فى كل أمر يعرض له، وأن يلقاه بكل حوله وحيلته، وأن يجىء إليه بعلله وأسبابه، التي يراها ويقدّرها.. فإن هو فرّط أو قصّر، كان ملوما، وكان أهلا للجزاء الذي يناسب تفريطه، وتقصيره.

فليس إيمان المؤمن بالقدر، وبأنه صائر آخر الأمر إلى المصير المقدور له- ليس هذا الإيمان بالذي يخلى المؤمن من المسئوليات المنوطة به.. فهو مطالب بأن يقدّر ويفكر، ويدبّر، ويعمل بالقدر الذي يسعفه به تفكيره، ويحتمله جهده..

<<  <  ج: ص:  >  >>