بطاقات من النور، تزداد بها بصيرته نفوذا إلى أعماق الأشياء، والوصول إلى لبابها..
فالإسكندر، بذكائه وعبقريته، وباستعداده الموروث للملك والسلطان- استطاع أن يحوّل فلسفة «أرسطو» إلى واقع عملىّ، وإلى قوة منطلقة معه لتحقيق آماله الكبيرة، وبناء هذه الدولة العظيمة التي تحركت لها همته، على أساس وطيد، من العدل والإحسان..
وذو القرنين- كما يذكره القرآن- رجل مؤمن بالله، التقى فيه هذا الإيمان بطبيعة قوية، تنفى الخبث، وتعاف المنكر من الأمور، وتأبى أن تنزل إلى ما يمسّ المروءة، ويجور على الشرف والكرامة..
فكانت خطواته كلّها قائمة على طريق الحق، والعدل، والخير..
والإسكندر، أشبه الناس بذي القرنين هذا فقد كان مؤمنا بالله، وقد فتح له الطريق إلى هذا الإيمان أستاذه «أرسطو» ، الذي كان موحّدا، يقول بالصانع الأول، وبالعقل الأول، وبالمحرّك الأول، وبالسبب الأول.. إلى غير ذلك من المقولات، التي تجعل على الوجود قوة عاقلة، يدور فى فلكها كل موجود! وإذا كانت تصورات «أرسطو» لله سبحانه وتعالى يحفّها الغموض، فإنها تصورات فى صميمها، تبلغ بمن يأخذ طريقه معها على هدى وبصيرة- إلى التصوّر الصحيح لله سبحانه وتعالى..
وليس بالبعيد أن يكون «الإسكندر» قد اهتدى فى طريقه إلى الله بما لم يهتد إليه أستاذه، فآمن بإله متفرد بكل كمال، منزّه عن كل نقص.. لا يشاركه أحد فى ملكه، مما كان يقول به أستاذه، وتقول به الفلسفة اليونانية، من العقول السبعة، النابعة من العقل الأول، والعاملة معه..!