وعلى أىّ، فإن ذا القرنين، سواءا كان هو الإسكندر الأكبر، أو غيره من عباد الله، فإنه على صفتين:
أولهما: أنه ذو سلطان متمكن، وأنه- بما آتاه الله من عقل وحكمة، ومن ملك وسلطان- قد اجتمع له من الأسباب ما يمكّن له من الحصول على مسببات لم تجتمع ليد أحد غيره، وفى هذا يقول الله تعالى:«إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً» وليس المراد بقوله تعالى: «مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» العموم والشمول، لجميع الأشياء.. وإنما المراد به كل شىء يصلح به أمره، ويقوم عليه سلطانه.. ومثل هذا قوله تعالى على لسان الهدهد عن ملكة سبأ:«وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ»(٢٣: النمل) ومثله قوله تعالى على لسان سليمان: «يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»(١٦: النمل) .. فالمراد بكل شىء فى الموضعين: ما يصلح عليه الأمر، ويتم به نظام الحياة فى المستوي الطيب الكريم..
وثانية الصفتين اللتين يتصف بهما ذو القرنين: أنه مؤمن بالله وأنه أقام هذا الملك الواسع العريض على الحق، والعدل والإحسان، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً»
فهو فى هذه الآيات يخاطب من الله وحيا أو إلهاما، كما أنه فى هذه الآية أيضا يقوم داعية لله يدعو إلى الإيمان بالله.. ثم هو مؤمن بالآخرة وبالجزاء الأخروي، يأخذ الكافرين بالله بالبأساء والضراء فى الدنيا، ثم يدعهم ليلقوا فى الآخرة العذاب الشديد النّكر الذي لا تعرفه الحياة، ولا يذوق مثله الأحياء فى الدنيا..
ومما يدل على إيمانه بالله، ما تكرر على لسانه من إضافته إلى ربّه..