للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وقوله تعالى: «إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا» بيان للظرف الذي كانت فيه مهابّ أنسام هذه الرحمة ... وإذ كانت رحمة الله لا تنقطع عن عباده المؤمنين وخاصة من اصطفاهم لرسالته، فإن ذكر الرحمة، والحديث عنها فى هذا الظرف، هو لبيان مزيد هذه الرحمة ومجيئها فى صورة، تكاد- لما حملت من ألطاف- تكون رحمة خاصة تستحق الذكر والتنويه.

والنداء هنا معناه: الدعاء، كما ذكر ذلك فى قوله تعالى: «هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ» (٣٨: آل عمران) .

والنداء الخفي: هو الدعاء فى سرّ، دون جهر ومعالنة.. إذ كان ذلك فيما بينه وبين ربه.. بعيدا عن أعين الناس، وأسماع الناس.

وقد يكون هذا الدعاء من خواطر النفس، وأمانىّ الفؤاد. ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى، قد سمعه، وعلمه، وجعله قولا مصوّرا فى كلمات، منطوقا باللسان.. وهذا هو ما يشير إليه قوله تعالى:

«قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» .

هذا هو الدعاء الذي دعا به زكريا ربه..

وقد بدأه أولا بهذا التذلل والتشكّى إلى الله.. وفى هذا الموقف، يقف العبد من ربه الموقف الذي ينبغى أن يكونه.. فهو عبد ضعيف، فقير، ذليل، بين يدى السيد القوى العزيز.. من بيده ملكوت السموات والأرض.

وهكذا ينبغى أن يكون الأدب من العبد بين يدى ربه.. وبهذا يكون فى معرض من أن يؤذن له بالقرب من ربه، وأن يلقى الرضا والقبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>