بعصاه التي يضرب بها البحر، فينشق، وينحسر ماؤه عن الأرض.. فإذا هى طريق يبس، كأن لم يمسسه الماء من قبل..
وقبل أن ينطلق موسى بقومه، يسمع كلمات ربّه:«لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى» فيمتلىء قلبه طمأنينة وأمنا إنه لا يخاف (دركا) أي لحاقا من فرعون وجنوده.. وإنه لا يخشى البحر، حين يلقاه معترضا طريقه إلى النجاة من يد فرعون الذي يجدّ فى طلبه..
فالخوف، هو مما يجيئه من ورائه.. والخشية، مما يلقاه من أمامه.. وإنه لا خوف ولا خشية، مع عون الله، وتأييده! وها هو ذا فرعون يحث السير بجنوده، طلبا للحاق بموسى.. ويمضى فى طريقه، حتى يركب الطريق اليبس الذي ركبه موسى وقومه منذ قليل..
وقد أعماه الغيظ، وحبّ الانتقام، من أن يقف على رأس هذا الطريق قليلا، ويسأل نفسه: كيف قام هذا الطريق وبأى يد أقيم إنه ليعلم عن يقين أن لا طريق بين عبرى هذا البحر؟ أفلا تلفته هذه الظاهرة إلى هذه المعجزة التي بين يدى موسى؟ ولكن أنّى للعمى أن يبصروا؟ «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» .
لقد أورد فرعون نفسه وقومه موارد الحتوف:«فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ» .. أي غطاهم من البحر ما غطاهم من مائه الغمر.. «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى» ! وهكذا يسدل الستار على هذه المأساة، التي طوت فرعون وقومه فى لمحة خاطفة..!
ولا تذكر القصة ما صنع فرعون بالسحرة، وهل أمضى حكمه فيهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلّبهم فى جذوع النخل.. أم أنهم أفلتوا من يديه، ونجوا فى زحمة هذه الأحداث؟