يمكن أن يكون فرعون قد ألقى بالسحرة فى السجن، وانتظر تنفيذ حكمه فيهم حتى يفرغ من موسى وقومه.. كما يمكن أن يكون قد أمضى فيهم حكمه..
إن الأمرين يستويان.. فإن يكن السحرة قد هلكوا بيد فرعون، فليسوا هم بأول أو آخر مستشهدين فى سبيل العقيدة.. وإن يكونوا قد نجوا من هذا البلاء، فقد نجا كثير غيرهم من المؤمنين، وأفلتوا من يد البغاة والمتجبرين..
فليس المهم إذن هو أن يهلك المؤمنون أو يسلموا، وإنما المهم هو أن يثبتوا على إيمانهم، ويوطدوا النفس على احتمال كل بلاء، وملاقاة كل شدة.. ثم لا عليهم أن يسلموا أو يعطبوا، مادام قد سلم لهم إيمانهم، وظل بمكانه المكين من قلوبهم..
ثم هاهم أولاء بنو إسرائيل، قد وجدوا نعمة الله وخلصوا من يد فرعون، ونجوا من هذا العذاب المهين الذي جعله طعاما وشرابا لهم..
«يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ» .. فاذكروا هذه النعمة، وارعوها، ولا تفسدوها بالمكر بها، والتنكر لها..
«وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ» أي هذا هو موعد لقائى بكم، حيث تنزلون بالجانب الأيمن من الطور، وحيث يتلقى نبيكم موسى ما أوحى به إليه من كلماتى.. فاستمعوا له، وخذوا بما يوحى إليه، واستقيموا عليه..
«وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى» .. وفى هذا المكان الجديب القفر..