دورانها، وللناس سعيهم فى كل وجه، فيعملون فيما يحسبون أنه خير، وإن جاء بالشر!! «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ولو استبان للناس وجه الخير صريحا، لكان ركب الحياة كلّه متجها إلى هذا الوجه وحده، ولكان الناس على طريق واحد!! ولكن أي ركب هذا الذي يأخذ طريقا واحدا؟ إنه ركب جامد صامت لا حركة فيه.. إنه أشبه بالتيار الموجب فى القوة الكهربائية.. لا يعمل، ولا يتحرك، ولا تصدر عنه فاعلية فى إحداث حرارة أو ضوء، إلا إذا اتصل بالتيار السالب، وتفاعل معه!.
إن معالجتنا للأمور، لا تظهر نتائجها إلا بعد أن نفرغ منها، ونخرج من أيدينا، ولو استدارت لنا عواقب الأمور، فرأيناها قبل أن نعالجها، لكان شأننا فى الحياة غير هذه الشأن، فما أخطأ مخطئ، ولا خسر خاسر، ولا أصيب مصاب.. وهكذا، مما يقع للناس، مما يسوؤهم.. ولكان شاعرا كاين الرومىّ على غير ما كان عليه، من الخوف، والتردد، والعجز، عن لقاء الحياة.. ولما قال هذا القول، مصورا به نفسه:
أقدّم رجلا رغبة فى رغيبة ... وأمسك أخرى رهبة للمعاطب
ألا من يرينى غايتى قبل مذهبى ... ومن أين؟ والغايات بعد المذاهب!
ونعود فنقول إن الفلسفة الحديثة، وإن بدأت بالنظر إلى الإنسان، ممثلا فى المجتمع الإنسانى، فإنها انتهت بالإنسانية ممثلة فى الإنسان.. بمعنى أن الإنسان من حيث هو كائن له ذاتيته، وله مدركاته، ومشاعره- هذا الإنسان هو الذي أصبح مركز الدائرة التي تدور حولها الفلسفة الحديثة.. وإذا كان لها نظر إلى