وتصور.. كيف يكون الحال، لو عرف الناس ميزانا دقيقا يزنون به تصرفاتهم- قبل أن تقع- وتتبيّنوا جانب الخير، وجانب الشر منها؟ إن إنسانا لن يمدّ يده، أو يسعى برجله، إلى شر أبدا.. وكيف وقد استبان له وجه الخير والشرّ، على الصورة التي يقعان بها؟.
وقد تقول: إن كثيرا من الأمور يعرف الناس وجه الخير والشرّ فيها، ومع هذا، فإنهم يواقعون الشرّ وعيونهم مفتوحة له! فهناك شرّ صراح لا خفاء فيه، ومع هذا فإنه واقع فى سلوك الناس.. قد تقول هذا! ونحن نوافقك على هذا الاعتراض، ولكن على شرط أن تتفق معنا على أن مثل هذا الشرّ غير مصحوب «بالحتمية» التي تجعل وقوعه أمرا لازما، لا مفرّ منه، عند الذين يتلبّسون به على الأقل.. فإن هناك صورا من الاحتمالية تثور دائما فى وجه ما يبدو أنه شرّ محض! وهذه «الاحتمالية» هى الضباب الذي يخفى كثيرا من وجوه الشرّ، فيما هو شر، وهى السراب الخادع الذي يضلل الإنسان، ويغربه بفعل ما هو شر، وإن كان يراه رأى العين!! ولا شك أن رغباتنا، وعواطفنا، تلعبان دورا هاما، فى مجال العمليات الاحتمالية، فتقوبها أو تضعفها، على حسب ما عندنا من رغبات وعواطف نحو الشر الذي نقف إزاءه، وما عندنا من إرادة، وعزم، وثورة، على ضبط هذه الرغبات، وكبح جماح تلك العواطف!! ومع هذا، فإننا نقول: إنه من الخير أن يظلّ الخير والشرّ فى هذه السّحب التي تحجب الكثير من معالمها، فيكون «للاحتمالية» ومكانها فى الخير أن يكون شرا، وفى الشرّ أن يكون خيرا- وبذلك تقوم دواعى العمل، ويكون للحياة