للأخلاق.. الجانب السلوكى، الذي لا يغنى فى تعديله وتقويمه، الجدل الفلسفي، أو النظر المنطقي، وإنما الذي يرجى منه النفع فى هذا المقام، هو إثارة مشاعر السموّ النفسي فى الإنسان، ووصله بالمجتمع الإنسانى بصلات الأخوة، والحنان والرحمة.. فذلك هو الذي يقيم من الإنسان إنسانا صالحا فى بناء مجتمع صالح.
فالقرآن الكريم يحضّ على الأعمال الصالحة ويزكيها، ويرفع منازل أهلها، وبعدهم بجنات الله ورضوانه عليها..
يذكر القرآن الكريم «التقوى» فى مواضع كثيرة، مثل قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» .. (٧٠- ٧١: الأحزاب) فما هو العمل الصالح؟ وما هى التقوى؟ وما القول السديد؟ .. كل ذلك لم يشأ القرآن الكريم أن يعرض له بالكشف عن «ماهيته» ورسم حدوده..
نعم، هناك أمور واضحة صريحة فى باب الخير، كما أن هناك أمورا واضحة صريحة فى باب الشر.. ولكنها على هذا الوضوح، ومع تلك الصراحة، لا تقع من النفوس موقعا واحدا.. فإذا اتفقت النفوس على أن العدل جميل.. فإنه فى نفس عمر بن الخطاب مثلا، غيره فى نفس كثير من الناس.. هو خير لا شك فيه.. تدعو إليه الشريعة وتأمر به، وتثيب عليه.. ولكنها لا تستطيع أن تضعه فى معادلة جبرية. أو تحلله تحليلا كيماويا.. إنه العدل، وكفى! وإنه الخير وكفى! «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات» هكذا يقول الرسول الكريم.. وليست الشبهة فى الحلال فى ذاته، أو الحرام فى داته، وإنما تقع الشبهة فى الملابسات التي تلابس الحلال أو الحرام، وفى الوضع الذي يكون عليه الإنسان إزاء ما هو حلال وحرام..!