للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلبون الهلاك، ويستعجلون البلاء، على حين يصرفون وجوههم عن هذا الخير الذي بين أيديهم، ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة.. وهذا لا يكون من إنسان له مسكة من العقل والإدراك.

وفى قوله تعالى: «وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ» تهديد لهم، بالعذاب الذي أنذروا به، وأنه واقع بهم.. فهذا وعد من الله، ولن يخلف الله وعده.. لأن خلف الوعد إنما يكون عن عجز عن الوفاء به.. وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا..

وقوله سبحانه: «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» هو تأكيد لوقوع وعد الله، وإنجازه وأنهم إذا كانوا قد استبطئوا وقوعه، فإن لله سبحانه وتعالى تقديرا غير تقديرهم، وحسابا غير حسابهم، وأنه سبحانه لا يقيس الزمن بمقياس الناس، فالناس يتعاملون مع أشياء محدودة، فى زمن محدود، على حين أن الله سبحانه يدبر الوجود كله، فى زمن مطلق، وبقدرة مطلقة..

وعلى هذا فإنه إذا لم يقع بهم العذاب عاجلا فهو واقع آجلا، وأنهم إذا لم يؤخذوا به فى الدنيا، أخذوا به فى الآخرة.. فهم أبدا فى قبضة الزمن الذي هو فى قبضة الله.. ولن يفلتوا أبدا.

قوله تعالى:

«وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ» ..

هو بيان شارح لقوله تعالى: «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» ..

والمعنى أن هؤلاء المشركين إن كانوا يستعجلون العذاب، ويشكون فى وقوعه حين أبطأ عليهم، ولم يقع بهم، فما ذلك إلّا لأن لهم حسابا، وأن لله سبحانه وتعالى حسابا، وأنهم إذا كانوا قد أملى لهم ولم يؤخذوا بظلمهم إلى يومهم هذا الذي هم فيه- فليس هذا لأنهم ممتنعون عن الله بقوة أو جاه أو سلطان،

<<  <  ج: ص:  >  >>