للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرض هذه الآية صورة من عناد المشركين، وتأبّيهم على الحق، وشرودهم عن الهدى.. وذلك أنهم إذا تليت عليهم آيات الله، وقعت كلماتها فى قلوبهم موقع النكر، فاشمأزوا منها، وضاقوا بها، وظهر على وجوههم ما اعتمل فى صدورهم من حنق وغيظ، وكادت أيديهم تتحرك بالتطاول والأذى، ينالون به من يتلو عليهم آيات الله، ويسمعهم إياها..

هذا هو حال أهل الضلال، مع كل دعوة راشدة، وفى وجه كلّ كلمة طيبة.. إنهم يزورّون بالخير، ويضيقون ذرعا بالهدى- شأن المدمن على منكر من المنكرات.. يؤذيه الحديث الذي يكشف له عن وجه هذا المنكر، وعن سوء مغبته، وما يجرّ عليه من فساد لعقله، وجسده، وماله..

- وقوله تعالى: «قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ» .. الإشارة هنا «ذلِكُمُ» إلى المنكر الذي يبدو على وجوه الكافرين، لما يقع فى نفوسهم من ضيق وأذى مما يسمعون من كلمات الله.. فهذا الضيق الذي يجدونه فى صدورهم، هو شرّ وأذى يقع فى أنفسهم.. ولكنه شرّ قليل وأذى محتمل بالإضافة إلى ما يلقون يوم القيامة من عذاب أليم.. فلو أنّهم راضوا أنفسهم على الاستماع إلى كلمات الله، وصبروا قليلا على هذا الدواء المرّ الذي تجده نفوسهم المريضة منه- لوجدوا برد العافية من هذا الضلال الذي هم فيه، ولآمنوا بالله، ولنجوا من عذاب السعير، ولدفعوا بهذا الشرّ الذي يجدونه فى صدورهم شرّا مستطيرا، وبلاء عظيما.. وهو العذاب الأليم فى الآخرة..

وفى تسمية ما يجده المشركون من ضيق فى صدورهم عند الاستماع إلى كلمات الله- فى تسميته شرا، إنما هو بالإضافة إليهم، وحسب نظرتهم إليه..

إنهم يجدون ما تعرضه عليهم آيات الله من دواء لدائهم، وهو الشرّ الذي يصرفهم عن الحياة والعيش مع هذا الداء المتمكن منهم..

<<  <  ج: ص:  >  >>