فيكذبون على أنفسهم، ويزيفون الحقّ، ويلبسونه ثوب الباطل، حتى يخدعوا به عقولهم، ويريدوها على قبوله والتسليم به..
فهم يقولون فى الرسول.. إنه مجنون.. وإنه شاعر.. وإنه ساحر.. وإنه كذاب مفتر- يقولون هذا، وهم على معرفة كاملة بالرسول، من مولده، ومن قبل مولده، إلى أن جاءهم برسالة ربه.. فما عرفوا فيه شيئا مما يتهمونه به زورا وبهتانا.. بل لقد عرفوه العاقل الرشيد، والصادق الأمين، والطاهر العفّ.. وأنه كان فى صباه يتحلّى بأحسن ما يتحلّى به الرجال، من حكمة ورويّة، ورشاد.. وأنه ما كذب قط، ولا قال هجرا قط، ولا نطق بشعر أبدا، ولا طاف بصنم أبدا..
أما قولهم عن الرسول:«بِهِ جِنَّةٌ» فهو أشنع تهمة يتهم بها القوم فى تفكيرهم، وتقديرهم..
وقد يكون سائغا منهم أنهم لم يتدبروا القول، فكثير من الناس لا يتدبرون القول، ولا يحسنون الفهم..!
وقد يكون مقبولا أيضا أن يحمدوا على ما هم عليه من عادات موروثة..
فإن كثيرا من الناس يعيشون فى عادات وتقاليد، كما تعيش الحيوانات الرّخوة فى أصدافها وقواقعها..!
وقد يمكن أن يساغ- ولو بمرارة ووقاحة- إنكار الحقائق الثابتة، والتعامي عن الواقع المحسوس..!
فكثير من الناس يكابرون فى الحق، ويمارون فى الواقع، ولا تعلو وجوههم صفرة الخجل، ولا تندى جباههم بقطرة حياء! أما الذي لا تتسع له المكابرة، ولا يحتمله التبجّح، فهو الكذب الصّراح،