الذي لا يدارى بتمويه أو خداع، بل يعرض هكذا سافرا بكل مشخصاته، ثم يقال عنه: هذا هو الحقّ! فذلك إن وجد مساغا عند أهله، فإنه لا يجد له موجها من القبول عند أحد، ممن يمكن أن يخدع ويضلّل..
فإذا قال سفهاء قريش فى النبىّ إنه شاعر.. فأين هو الوجه الذي يقبل به هذا القول عند من يريدون قبوله منه؟ وقد يكون لهذا الكذب مدخل إلى بعض العقول لو أنهم اصطنعوا شعرا ثم نسبوه إلى النبىّ. فيكون أمرا محتملا للنظر والجدل.. وقد يأخذ به البعض من غير بحث أو نظر..! ولكنهم لم يفعلوا ولم ينتحلوا للنبىّ شعرا، بل قالوا عنه إنه شاعر، دون أن يأتوا على هذا القول بشاهد من مفترياتهم وأكاذيبهم.. وهذا معجزة من معجزات الرسول الكريم..
وإذا قال سفهاء قريش فى النبىّ إنه مجنون.. أو به جنّة.. فقد كان عليهم لكى يغطّوا وجه هذا الكذب بشىء من التمويه- أن يقيموا شهودا من الزور يشهدون بأنهم رأوا من النبىّ كذا، وكذا، من هذيان المجانين..
ولكنهم لم يفعلوا..
نعم، إنهم لم يفعلوا هذا، أو ذاك، وما كان فى استطاعتهم أن يفعلوا..
إذ كان أمر النبىّ فيما اتهموه به، أبعد من أن يدخل عليه زيف، أو تعلق به شائبة من تمويه..
وهذا من معجزات الرسول صلوات الله وسلامه عليه، والتي هى بعض ما عصمه الله سبحانه وتعالى به من الناس، كما يقول سبحانه:«وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» .. وإنها لعصمة تحفظ- فيما تحفظ- ذاته ومشخصاته، وصفاته، من أن يعلق بسمائها الصافية المشرقة شىء من هذا الغبار الذي تثيره أفواه النافحين فى الجبال الراسيات.