ووسواسا لهم منه.. إنه أبدا مصدر إزعاج لكل سليم وسقيم، وكل شاب وشيخ.. إن لم يره دانيا منه فى حال، رآه ناشبا أظفاره فى أب، أو أم، أو زوج، أو ولد، أو صديق.
ومن أجل هذا كره الناس لقاء الموت، وتعلقوا بالحياة، مهما تكن هذه الحياة، ومهما تكن ضراوتها وقسوتها، وما تسوق إلى الناس من مآس وآلام.. يقول أبو العلاء:
نحبّ العيش بغضا للمنايا ... ونحن بما هوينا الأشقياء
ويقول أيضا:
ودنيانا التي عشقت وأشقت ... كذاك العشق- معروفا- شقاء
سألناها البقاء على شقاها ... فقالت عنكم حظر البقاء
ولزوميات أبى العلاء، تدور كلها حول الموت، وماوراء الموت، ولا تكاد قصيدة أو مقطوعة من شعره فى هذا الديوان تخلو من الحديث عن الموت، أو النفس، أو البعث والجزاء.. وذلك فى صور شتى من الرأى المتقلب بين اليقين والشك، والإيمان والإلحاد، والإقرار والإنكار..
إن الموت هو الينبوع الذي ارتوت منه فلسفة «أبى العلاء» فعمقت جذورها، وسمقت فروعها، وتعددت طعومها. فكانت فلسفة مؤمنة، ملحدة..
متفائلة، متشائمة.. شأن الخائف المفزّع، تتغاير فى عينيه صور الأشياء، وتغيم حقائقها..
إن ظاهرة الموت من أكبر الظواهر وأعمها، مما شغل به العقل، والتفتت إليه الديانات السماوية والوضعية، منذ الخطوات الأولى للإنسان فى هذه الحياة..