للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم إلى التعلق بها، واللهفة على التشبث بكل خيط فى يدهم منها، مهما يكن حظهم فيها، وشقاؤهم بها..

الناس جميعا متعلقون بالحياة، راغبون فى المزيد منها، ولو أخذت منهم الأيام، وألحت عليهم العلل، وحطمتهم السنون..

إن حبّ الحياة طبيعة فى كل حىّ، وهو فى الإنسان طبيعة وإرادة معا..

طبيعة تدفعه إلى حفظ نفسه، والإبقاء على ذاته أطول زمن ممكن.. وحبّ البقاء- فوق ذلك- إرادة تخلّقت فى الإنسان عن اتصاله بالحياة، واختلاطه بالأحياء، واشتباك مصالحه بهم، وانفساح آفاق آماله بينهم، وامتداد آثاره فى الحياة وفيهم..

إن الإنسان- مهما طال عمره، وامتد أجله، فإن يده تقصر عن أن تنال كل ما أراد، وإن الحياة لتضمن بأن تحقق له كل رغبة، وأن تدنيه من كل أمل..

يقول الشاعر:

تموت مع المرء حاجاته ... وحاجة من عاش لا تنقضى

من أجل هذا، كان فى الناس هذا الحرص الشديد على الحياة، وعلى الاستزادة منها، ولو كان ماؤها آسنا، وهواؤها سموما، وطعامها الشوك والحسك! والموت هو الشبح المخيف، الذي يطل على الناس بوجه كالح بغيض، يتهددهم فى أنفسهم، وفيمن يحبون، من ولد، وأهل وصديق.. إنه أعدى عدو للإنسان.. إنه يبغت الناس بغتة، ويفجؤهم فجاءة على غير موعد.. فهم أبدا فى وسواس منه، وفى خوف من وقعاته بهم، وبمن يحبون، ويؤثرون.

إنه ليس شىء أبغض إلى الناس من الموت، وليس شىء أكثر طروقا

<<  <  ج: ص:  >  >>